قد تكون ما تعانيه البلدات والقرى اللبنانية “نقطة في بحر” ما عانته المتين على مدى اربعين عاما. فالبلدة العابقة بالتاريخ، المزينة بأشجار الصنوبر والينابيع، والتي تتمتع بخراج يمتد حتى بسكنتا وصولا الى شمسطار في بعلبك، عاشت واهلها نزاعا قانونيا حول ما يُعرف بخراجها. لم تعد تعرف حياة هادئة ولا هواء صافيا الى حين استعادت مشاعها المعروف بـ”مشاع الزعرور” بفعل دعوى قضائية تقدم بها بداية في العام ١٩٨٠ رئيس البلدية آنذاك جوزيف بو سليمان واستكملها رئيس بلديتها الحالي زهير بو نادر.

القصة بدأت عام ١٩٧٧ عندما تقدّمت إحدى الشركات الخاصة التي يملكها النائب ميشال المر، على أثر شرائها مساحات كبيرة من الأراضي الواقعة في الزعرور من بلدة المتين، بطلب إلحاق الزعرور بالنطاق البلدي لبلدة بتغرين المجاورة “لغاية في نفس يعقوب”. فالمر ولأهداف سياسية ومالية اراد ان يبعد مشروع الزعرور للتزلّج عن سلطة بلدية المتين وقد قالها وبالفم الملآن “لا أريد ان أضع يدي تحت بلاطة بلدية المتين ولا اي بلدية اخرى”، مع العلم ان كل المعاملات والتراخيص التي اخذها لتنفيذ مشروعه السياحي كانت من بلدية المتين ومشيخا. وبرغم أن هذه الشركة لا تملك الصفة التي تسمح لها بالتقدم بطلب كهذا، أحال القائمقام في المتن آنذاك في اليوم نفسه، الطّلب لإجراء الكشف، فابدى المكتب الفنّي في المتن عدم ممانعته، ليصدر في العام ١٩٧٨ وزير الداخلية آنذاك قرارا يقضي بسلخ الزعرور من النطاق البلدي لبلدية المتين ومشيخا وإلحاقها ببلدية بتغرين.

هنا بدأت صولات وجولات ومعارك لاستعادة اكثر من ١٠ ملايين متر مربّع سلخت عن المتين التي تعدّ من اكبر بلدات لبنان وضُمّت الى بتغرين. خسرت بلدية المتين اول معركة في العام ١٩٩٨ لكنها لم تخسر حربها ضد الظلم ولم ييأس او يستسلم المتينيون. ففي العام نفسه الذي صدر فيه الحكم ضد بلدية المتين، كانت تشكلت اول بلدية منتخبة برئاسة جوزيف عقل الذي كان من المفترض ان يستلم بنفسه قرار مجلس شورى الدولة الجائر، لكن شاءت الصدف انه كان غائبا فاستلم القرار زهير بو نادر الذي كان في اثنائها عضوا في المجلس البلدي.

وفي العام ٢٠٠٤، انتخب للمرة الاولى زهير بونادر رئيسا للبلدية، وكانت مفاجأة جديدة تنتظر المجلس البلدي المنتخب حيث تبين ان بلدية بتغرين تقدّمت بخرائط للمديرية العامة للتنظيم المدني محاولة التوسع وضمّ مساحات اخرى اكبر من المساحات المسلوخة من المتين. وفي ذلك الوقت وبعد مراجعات عدة مع بلدية بتغرين ومع النائب ميشال المر لحل الموضوع وديا واسترجاع ما سلخ عن نطاق بلدية المتين، من دون نتيجة برغم الوعود التي قطعها المر، عمد رئيس واعضاء بلدية المتين في العام ٢٠٠٧، اي بعد تسع سنوات من صدور قرار مجلس شورى الدولة ضد البلدية، الى تقديم مراجعة لدى مجلس الشورى تطلب فيها ابطال قرار وزير الداخلية واعادة ما سلخ عن البلدية مرتكزين بذلك على عدم صحة وقانونية التبليغ الحاصل في العام ١٩٩٨ عندما كان زهير بو نادر عضوا في البلدية وليس رئيسا.

هنا بدأ مشوار استرجاع خراج المتين. فدعا رئيس البلدية زهير بو نادر الى لقاء عام حضره محامو البلدة والاهالي بحيث وضعهم في الاجواء وتقرر في الاجتماع تشكيل لجنة موسعة من المحامين واعضاء البلدية لمتابعة المراجعة، وتم تكليف الدكتور كمال عرب للدفاع عن قضية المتين لدى مجلس شورى الدولة.

مسار قانوني فيه من المطبات والخضات وخيبات الامل وحرتقات الساسة والمظاهرات والاعتصامات والصدامات مع القوى الامنية.. ملف الخراج بقي مفتوحا طوال ١٢ عاما كان خلالها فخامة الرئيس ميشال عون يواكب القضية قبل مدة طويلة وكان يطالب القضاء بان يكون عادلا وحاسما.

صحيح انه وبعد نحو اربعين عاما وتحديدا في ٢ شباط ٢٠١٨ صدر القرار الاخير لصالح بلدية المتين، بحيث جاء القرار واضحا وصريحا لابطال قرار وزير الداخلية الجائر واعادة الى المتين ما سلخ عنها، الا ان القضية لم تنتهِ فصولها بعد. فرئيس بلدية المتين زهير بونادر لا يزال يمثل امام القضاء بشكوى مقامة ضده من النائب ميشال المر، يتهمه فيها بالتزوير واستعمال المزور وانتحال صفة والتواطؤ مع الضابطة العدلية وتضليل القضاء واساءة استعمال السلطة والاخلال بواجبات الوظيفة وتظاهرات الشغب.

وكان آخر مثول لبو نادر امام قاضي التحقيق منذ ايام في ٤ تشرين الاول، ولا تزال التحقيقات معه جارية، علّه يأتي اليوم الذي ينتصر فيه العدل والحق فينصف رئيس البلدية كما انصف البلدية والبلدة واهلها بعد مسار قانوني طويل لاسترجاع الخراج. تلك كانت صورة عامة عن معاناة المتين ونضال اهلها ورئيس بلديتها لاسترجاع حقوق البلدة المسلوبة. وقريبا سننشر المحطات التي مرّت بها القضية ليذكر التاريخ يوما ان المتين بشيبها وشبابها صرخت في وجه الظلم لتحقيق الحق.